فصل: المقدمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي




.المقدمة:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [102]} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [1]} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [70] يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [71]} [الأحزاب:70، 71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن الفقه في الدين أفضل الأعمال وأعظمها وأشرفها وأزكاها، وهو تاج الدين الأعظم، وجوهره الأسنى.
فهو معرفة الله بأسمائه وصفاته.. ومعرفة مخلوقاته وآياته... ومعرفة سيرة أنبيائه ورسله.. ومعرفة دينه وشرعه.. والعمل بموجب ذلك.. والدعوة إليه.
وأعظم الفهم أن تفهم مراد الله منك، ومرادك منه، ثم تسير إليه مستنّاً بأنبيائه ورسله.
وأعظم الحرمان أن يعزف العبد عن العمل الصالح، وأن تموت عنده الغيرة على الدِّين الذي تُنحر أحكامه، ويُهدم بنيانه في كثير من البلاد.
وأشد من هذا وذاك أن يستهلك أوقاته بضده، ويصد عن سبيل الله بقوله وفعله.
وأخطر من هذا وذاك أن يرى الحق باطلاً، والباطل حقاً، ويبذل كل ما يملك في سبيل نشر ما يراه، وما يدعوه إليه هواه. وقد جاء الثقب الأسود في جدار الدين في وقت مبكر، فهبت عليه العواصف، وتسللت إليه السباع، ودخلت في حصنه الذئاب، وعاثت في الأرض فساداً، فتغيرت الألوان والأفكار، والأعمال والأحوال.
ثم اتسع هذا الثقب، ونزف هذا الجرح، حتى صار المسلمون محل الشفقة، ومهبط الإغاثة، ومسرح الظلم، ومأوى الجهل، وميدان الفساد، ومكان السخرية.
ونُزع الإيمان والحياء من حياة كثير من الناس، وصُرفت الأمة بحيل ماكرة عن مصدر عزها ومجدها، ووضع الأعداء لها مائدة السموم والفواحش، فقعد رجالها ونساؤها على موائد المحرمات، وصارت تغرف لها ولغيرها كل شر وسم ومحرم، فاعتل جسدها، وتمزقت شعوبها وبلادها.
وظلت تستخدم عقولها في الظلم والكذب والحيل الماكرة، وتستهلك أوقاتها في قضاء شهواتها، وتلتهم كسبها من أوسع أبواب المحرمات.
ولما انفصلت عن مصدر عزها تعرضت لسخط ربها، وصارت لقمة سائغة بيد عدوها.
فما أشد لطمة الأعداء لهذه الأمة الغافلة المسكينة. إنهم يريدون منها أن تخلع لباس الإيمان والتقوى.. وأن تلبس لباس الكفر والمعاصي.. وتركع لشهواتها لا لربها.. وتسجد لهواها لا لإلاهها.. وتصلح الدنيا وتفسد الآخرة.. وتطيع الشيطان وتعصي الرحمن.
إن صلف الباطل يلهب جسد الأمة المسلمة بالسياط الموجعة، ويفرغ في جسدها سموم المعاصي والبدع، وينثر على ظهور الأيام والليالي صنوف المنكرات والمحرمات.
ونتيجة لهذه الغفلة بدأت الأمة تحصد سموم ما جنته، وتتمرغ في أوحال الشهوات، وتعتكف في سجون المحرمات، وتغرف من أنهار المعاصي والمنكرات، وتسبح في بحار الظلم والغش إلا ما رحم ربك.
فما أنجس هذه اليد القذرة التي لوثت جسد الأمة، ولعبت بأفكارها، وأضاعت أوقاتها، ونهبت أموالها، وتحكمت في حياتها، وجرتها إلى كل شر وبلاء وفتنة.
وقد وجد العالم الإسلام ألم قرصة العقرب، وأحس بلدغة الثعبان، وتألم من نهشة الأسد، وتوجع من طعنة الرمح، وتخدر من لطمة الكف، وذاق مرارة العلقم. فهل يكفي أن تسكب العبرات على هذا الواقع الأليم الذي لا يحتاج إلى دليل؟
وهل يليق بالمسلم القعود عن العمل بعد انفجار تلك الجروح الدامية في كل مكان؟
وهل ينفع الصراخ والصياح والبكاء والتباكي؟
إن ذلك كله لا يجدي شيئاً ما لم يتبع بالعمل الجاد المستمر وفق الكتاب والسُّنة، حتى يُظهر الله دينه، أو يموت المسلم في سبيله.
ومن سَلَّم زمام راحلته إلى النفس والهوى ضل وأضل، وقاده الشيطان إلى كل شر وبلاء، وقال على الله غير الحق، وأشعل النار في الأخضر واليابس.
وكل من فارق الدليل ضل السبيل، ولا دليل إلى الله والحق سوى القرآن والسنة، وكل عمل لم يقم على ذلك فهو مطية الشيطان التي أعدها مراكب لأهل النار على مر الدهور.
والعجلة باب الشيطان الأعظم، وسوء الظن سلاحه الأكبر، والكبر جناحه الذي لا يطير إلا به، والعصبية سكينه التي يذبح بها كل صيد، والنفاق مخالبه التي يمزق بها البشر، والرياء منقاره الذي يفسد به الثمار.
وما أكثر الكتب والفرق والجهات التي تلبس لباس الدِّين، وهي تحارب الحق، وتدافع عن الباطل، وتبغي الحياة عوجاً.
ترفع كل سافل.. وتمجد كل باطل.. وتلدغ كل حي.. وتلسع كل مجاهد.. وتدفن كل خير.. وتذيع كل شر.
إن الاضطراب في العالم اليوم وقبل اليوم سببه التقصير في إيصال الحق إلى الناس، فلما حرموا من معرفته صاروا أنعاماً لاهية، أو سباعاً مفترسة، هذه مشغولة بشهواتها، وتلك مولعة بسفك دم غيرها.
إن العوالم كلها منسجمة منتظمة، تسبح بحمد ربها، كل قد عَلِمَ صلاته وتسبيحه، إلا ذرية آدم، الذي كرمه الله، وخَلَقَه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وجعله خليفة في الأرض.
وهذه الذرية منهم من آمن، ومنهم من كفر، وأشغلهم الشيطان بالعداوة عن العبادة، لأنهم لم يعرفوا الحق، أو عرفوه ولكنهم لم يعملوا به، أو عرفوه وضلوا عنه.
فيجب علينا معرفة الحق، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى في سبيله، مع حُسْن الخُلُق، والبذل والعطاء، حتى يُعبدَ اللهُ وحده في الأرض، ويكون الدين كله لله، الذي كل ما في الكون يعبده ويطيعه.
فقد جعل الله عز وجل لكل مخلوق في الكون وظيفة يؤديها، وسُنَّة يسير عليها، فالشمس وظيفتها الإنارة، والسحب وظيفتها نقل المياه، والأرض وظيفتها الإنبات، ولكل منها سنن يسير عليها، ويعبد الله بها.
وهكذا الإنسان عليه أمانة يؤديها وهي عبادة الله عز وجل، ووظيفة يؤديها وهي الدعوة إلى الله، وله سنن يسير عليها وهي الدين الكامل الذي أرسل الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى البشرية كافة.
وقد وكل الله عز وجل الشمس بالإنارة في العالم كله.. ووكل السحب بتوزيع المياه في العالم كله.. ووكل الأرض بالإنبات في العالم كله.. ووكل الأشجار بالثمار في العالم كله.. ووكلنا بنشر الدين في العالم كله.
وهذه المخلوقات العظيمة أدت الأمانة، وأطاعت ربها، وقامت بوظيفتها، فانتظم أمر العالم، وصار الكل يحبها وينتفع بها.
ونحن إذا أدينا الأمانة، وقمنا بالوظيفة بإبلاغ الحق للناس كافة، انتظم أمر العالم الإنساني وغيره، وصَفَّ العالم كله يسبحون بحمد ربهم، ويعبدونه وحده، كل قد عَلِمَ صلاته وتسبيحه.
وحاجة الناس للدين أعظم من حاجتهم لغيره، فإنهم يحتاجون للدين بعدد الأنفاس؛ لأن الدين وحده سبب سعادتهم ونجاتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة. والله عز وجل خَلَق الخَلْق لعبادته، وعبادته لا تحصل إلا بمعرفته، ومعرفته لا تحصل إلا بالنظر في آياته ومخلوقاته، ومعرفة ما جاء به رسله.
لهذا أرسل الله عز وجل الرسل، وأنزل الكتب، ليتبين الحق من الباطل، والهدى من الضلال.
ووهب البشر الأسماع والأبصار والعقول ليعرفوا الحق، ويعبدوا به ربهم وحده في الأرض، كما يُعبدُ به وحده في السماء.
وأحسن ما ركَّبه الله في العقول والفطر حُسْن التوحيد والإيمان.. وأحسن ما ركبه في النفوس حُسْن الخُلُق.. وأحسن ما ركبه في الألسنة قول الحق والدعوة إليه.
فما أجمل القلوب إذا تزينت بالتوحيد والإيمان، وما أحسن الأجساد إذا تزينت بالسُّنن، وما أجمل النفوس إذا تزينت بالأخلاق، وما أجمل الحياة إذا كسيت بحلل الدين وجواهر الآداب.
والقرآن الكريم فيه تبيان كل شيء، والسنة النبوية فيها تفصيل كل شيء، وسيرة الأنبياء والرسل مملوءة بأحسن الأخلاق والآداب والسنن.
وحياة الصحابة والتابعين، وسجل العلماء والدعاة والمصلحين، كل ذلك حافل بكل ما لذ وطاب من العلوم النافعة، والأخلاق الحسنة، وأفضل العبادات، وأحسن المعاملات، وأجمل المعاشرات، وأعظم التضحيات، مع كمال الإيمان والتقوى، والأسوة الحسنة، والصدق في القول والعمل.
وأحسن أحوال العبد أن يكون كاملاً بنفسه مكملاً لغيره.. صالحاً في نفسه مصلحاً لغيره.. حَسَن الخُلُق مع ربه وخَلْقِه.. مطيعاً لله ورسوله.
فهو يجني الأرباح من جميع الأقطار، ويكسب الأجور من جميع الأبواب: له أسهم في العبادة.. وأسهم في العلم.. وأسهم في الدعوة.. وأسهم في حُسْن الخُلُق.. وأسهم في الإنفاق.. وأسهم في الجهاد.. وأسهم في الذكر.. وأسهم في الشكر.. وأسهم في الصبر. فهو نائب النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، وخليفته من بعده في زمنه.
فهذا الذي أُدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه، جمع المجد من أطرافه، وأحاط بالفضائل كلها، فله النعيم الكامل في الجنة: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [4]} [الجمعة: 4].
والله حكيم عليم، فحين ظهرت آثار رحمة الله في الأرض، ونزلت الهدايات في كثير من البقاع، حصل العطش لتعلم دين الله، وزادت الرغبة في العمل بأحكامه، فساق الله من شاء من عباده لجمع أحكام الدين، وجني ثماره من ينابيعه الصافية من القرآن والسنة، لتهدى لهم طيبة مباركة، خالصة من الشوائب والأكدار.
فهو سبحانه الحكيم الخبير بما يصلح عباده، فهو الذي ساق هذا ليدعو، وهذا ليعلِّم، وهذا ليكتب، وهذا ليقرأ؛ ليتم أمره، ويظهر فضله، ويجزل العطاء لهذا وهذا.
فهو سبحانه الكريم الذي يعطي بلا نوال، ويكرم بالثواب الجزيل على العمل القليل، ولا يبالي كم أعطى، ولمن أعطى، الذي إذا قدر عفا، وإذا عاهد وفَّى.
وقد يسر الله لي بفضله وكرمه وتوفيقه وعونه السير في كثير من أقطار الأرض، والاطلاع على كثير من الكتب الإسلامية، فرأيت في هذا وهذا الحسن والقبيح، والطيب والخبيث، والصحيح والسقيم، والسمين والهزيل، والحلو والمر، وغير ذلك مما شاع وذاع، وملأ الأبصار والأسماع.
فسألت العزيز الكريم الرحيم أن يجمع البشرية كلها على الدين الحق، وتضرعت إليه أن يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها في الأرض كلها.
ثم وفقني ربي عز وجل إلى ما يحبه ويرضاه، وأعانني على ما أرجو أن تصلح به أحوال الأمة، فتجولت في رياض العلم، وسرت في بساتين الفقه، واستمتعت بأنوار التوحيد والإيمان.
فوجدت من الثمار ما يحار الإنسان من أيها يقطف، ومن الجواهر من أيها يأخذ، ومن الأنوار من أيها يقتبس.
وقد أعانني الله عز وجل فدونت الموجود، وفتشت عن المستور، وطلبت المفقود، وجمعت المنثور، وكتبت المسموع، وأوضحت المشتبه، وحررت المسائل، حتى أكمل الله البنيان بمنه وفضله، وأظهر سوق الدين الخالص للمحتاجين، وفتح أبواب العلم والهدى للراغبين، وهيأ موائد القلوب والجوارح للطالبين.
إن الحق إذا جاء زهق الباطل.. والنور إذا أقبل ذهب الظلام.. والتوحيد إذا جاء أحرق الشرك.. والسُّنن إذا قامت ماتت البدع.
وقد أحسن الله إليَّ، ويسر لي جمع هذه الموسوعة من القرآن والسنة، وخلاصة أقوال سلف الأمة في أصول الدين، ومقاصده العظمى، وأحكامه وآدابه؛ ليستبين الحق من الباطل في كل مطلوب.
وبينت ذلك بياناً شافياً، سهل الفهم، موجز اللفظ، محكم المعنى؛ ليسهل حفظه والعمل به، وليكون أصلاً لمعرفة التوحيد من الشرك، والإيمان من الكفر، والحق من الباطل، والسنة من البدعة.
وجمعت في هذه الموسوعة أحسن أقوال فحول علماء المسلمين، وجهابذة الفقهاء، وفرسان أهل الحديث، وأئمة السلف الصالح، ومنارات الهدى، وأهل العدل والزهد والتقوى في كل عصر.
فاجتمع فيها بحمد الله عيون الأخبار.. وجواهر الأحكام.. وأمهات المسائل.. ونفائس الدرر.
وتوجت مسائل هذه الموسوعة الشاملة بالآيات القرآنية، والسنن النبوية، والأدلة العقلية، والأمثلة الحسية، والبراهين العلمية.
فجاء هذا المجموع الثمين محكم الأصول، محذوف الفضول، غزير الفوائد، منوع الموائد، حلو الطعم، سهل الفهم، يغني الطالب المبتدي، وينفع العالم المنتهي.
أسأل الله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به الخَلْق أجمعين، وأن يُقبل بقلوب عباده لمعرفة الحق، والعمل به، والدعوة إليه.
وقد وسمت هذا الدر المنثور باسم: موسوعة الفقه الإسلامي.
والفقه الإسلامي ينقسم إلى ثمانية أقسام:
الأول: الأحكام المتعلقة بالتوحيد والإيمان من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة أركان الإيمان ونحو ذلك، ويسمى هذا الفقه الأكبر.
الثاني: الأحكام المتعلقة بعبادة الله من وضوء وصلاة، وزكاة وصيام، وحج وأدعية وأذكار ونحو ذلك، وتسمى هذه بالعبادات.
الثالث: الأحكام المتعلقة بالأخلاق والآداب والفضائل ونحوها.
الرابع: الأحكام المتعلقة بمعاملة الناس بعضهم بعضاً من بيع وشراء، ورهن وإجارة، وصلح وشركة ونحو ذلك، وتسمى هذه الأحكام بالمعاملات.
الخامس: الأحكام المتعلقة بالأسرة من زواج وطلاق، ووصايا وأوقاف وميراث ونحو ذلك، وتسمى هذه الأحكام بأحكام الأسرة.
السادس: الأحكام المتعلقة بحفظ الأمن، وعقاب المجرمين ونحو ذلك.
وتسمى هذه الأحكام بالقصاص والحدود.
السابع: الأحكام المتعلقة بواجبات الحاكم من إقامة العدل، وتنفيذ الأحكام، وواجبات المحكوم من السمع والطاعة ونحو ذلك.
وتسمى هذه الأحكام الخلافة والولايات.
الثامن: الأحكام المتعلقة بالراعي والرعية من الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ونحو ذلك، وتسمى هذه أحكام الدعوة والجهاد والسِّيَر.
فهذه أصول أبواب الفقه الإسلامي التي وردت في الكتاب والسنة.
ونظراً لحاجة البشرية إلى الإسلام.. وحاجة المسلمين إلى معرفة أحكام هذا الدين العظيم.. وإقبال طلاب العلم على التزود من علوم الشريعة.. ورغبة كثير من المسلمين في كتاب يجمع ما يهم كل مسلم ومسلمة.. وعودة كثير من المسلمين إلى رياض العلم الشرعي.. ودخول كثير من الكفار في دين الله أفواجاً.. ورغبتهم في معرفة أحكام هذا الدين.
ومن جانب آخر كثرة المؤلفات التي جمعت بين الغث والسمين.. وكثرة المصنفات التي تمحضت للشر.. ومزاحمة كتب البدع لكتب السنة.. وارتفاع أصوات مجالس البدع واللهو.. وكثرة الافتراءات التي يطلقها الأعداء على الله ورسوله ودينه.. وإثارة الشبهات التي تحمل الناس على الشك في الدين.. وانتفاخ أجساد المنافقين.
ومن جانب ثالث تمزق العالم الإسلامي إلى دول متناحرة.. وشعوب متباغضة.. ومذاهب مختلفة ووجود التعصب الذي أغلق باب الإفادة والاستفادة.. وغرق كثير من المؤلفين والمتبوعين في التوسع في ذكر الخلاف الذي يوهن العزيمة، ويُولِّد الشك، ويقعد عن العمل، ويمزق شمل الأمة، ويشغل الأمة عن واجباتها الكبرى.
وأعظم من ذلك كله أداء الأمانة.. والقيام بواجب الدعوة إلى الله.. ونشر العلم الشرعي.. والأمر بالمعروف.. والنهي عن المنكر.. والنصح لكل مسلم.
لهذا كله فقد مَنَّ الله علينا ويَسَّر لنا كتابة هذه الموسوعة التي بين يديك.. لتسد حاجة كل طالب علم.. وتغني كل مسلم ينشد معرفة أوامر الله ورسوله.. وتروي ظمأ كل عطشان.. وتدفع شبهة كل حائر.. لتحيا السُّنن.. وتموت البدع.. ويظهر الحق.. وتجتمع البشرية على الدين الحق.. ويكون الدين كله لله.
وقد نظمت أبواب هذه الموسوعة في عقد ثمين اشتمل على اثنين وعشرين باباً، وكل باب يفتح على دار مملوءة بالخيرات والثمرات والمجوهرات.
وقد رتبت هذه الأبواب على النحو التالي:
كتاب التوحيد.
كتاب الإيمان.
كتاب العلم.
كتاب السيرة النبوية.
كتاب الفضائل.
كتاب الأذكار.
كتاب الأدعية.
كتاب الآداب.
كتاب القواعد الشرعية.
كتاب العبادات.
كتاب المعاملات.
كتاب النكاح وتوابعه.
كتاب الأطعمة والأشربة.
كتاب الفرائض.
كتاب نواقض الإسلام.
كتاب الكبائر.
كتاب القصاص والديات.
كتاب الحدود.
كتاب القضاء.
كتاب الخلافة.
كتاب الدعوة إلى الله.
كتاب الجهاد في سبيل الله.
وقد جنيت ثمار هذه الموسوعة من أعظم البساتين، وقطفت أزهارها وورودها من أحسن الرياض.
أسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الموسوعة قرة عيون الموحدين.. ومناراً يهتدي بسببه الضالون.. ونهراً صافياً يشرب منه المسلمون.. وغيثاً يسكب الإيمان واليقين في القلوب.. ودعامة من دعائم الإسلام.. وفأساً يجتث الجهل.. ومعولاً يكسر هامات البدع.. ورمحاً يركز في جوف الشرك.. وسهماً يجهز على الباطل.. وسكيناً تنحر الهوى.. وناراً تحرق الشبهات.
وهذه الموسوعة يرجى أن تزرع السنن في بستان المسلمين، وتحصد البدع النابتة في أرضه، وتزيل الغبار عن مساكنه وأشجاره، وتطرد الهوام والسباع عن داره، وتلوي عنق الباطل والجهل حتى لا يدرج فيه.
أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجعلها سبباً يشفي القلب والجسد من علله، وأن يزهق بها الباطل بالحق الذي يدمغه.. وأن يجعلها نهراً صافياً يشرب منه كل وارد.. تغني المحتاج عن السؤال.. وتبشر بالحق.. وتزيل الباطل وتفسر المبهم، وتقيم المعوج، وتكسر قرن كل جبار.
فهنيئاً لكل مسلم، وكل عابد، وكل داع إلى الله، وكل معلم لشرعه، بهذا المجموع المفيد، الذي جمع الله فيه بمنه وفضله ما تفرق في غيره، وأظهره في وقت الحاجة إليه.. وجمع فيه متين العلم وصلبه.
ولا ندعي أن هذا العمل نور يبدد كل الظلمات، ولا بستان فيه كل الثمرات، ولا خزانة جمعت كل المجوهرات.
بل هو جهد مخلوق ضعيف جهول عاجز محتاج.
ولولا فضل الله ورحمته، وتوفيقه وعونه، ما ظهر لك جسده، ولا بان لك نوره، وإن كانت بين يديك سطوره.
أسأله سبحانه أن يجعله قبساً من نور، وشجرة تثمر على مر الدهور، وعيناً تسقي البشرية إلى يوم الدين.. وتاجاً يتزين به المسلم بين الناس.
كما أسأله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به من جمعه وكتبه وراجعه، وكل من قرأه وسمعه وأعان على نشره.
وهذا غاية اجتهادي، وأغلى ما في فؤادي، وعلى الله اعتمادي، وهو أعلم بمرادي، وما يحترق به فؤادي.
والحمد لله أولاً وآخراً على نعمة الإسلام والإيمان.. ونعمة البدء والختام.. ونعمة الإكمال والإتمام.. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما.
فالله سبحانه وحده هو الذي هيأ القلب للاستئناس به.. وحرك العقل للفكر فيه.. وجمع الفكر لحسن عرضه.. وهيأ الوقت لتحصيله.. وحرك اليد لتحريره.
فلله الحمد والشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
وله الحمد كله على ما قضى وقدر.. وله الحمد على ما أمر وشرع.. وله الحمد على ما يسر وأعان.. ونسأله العفو والقبول والرضوان.
وكل ما نرجوه ونسعى إليه أن يرضى الله عز وجل عنا.. وأن يرزقنا حسن العمل بشرعه.. وأن يستعملنا فيما يحبه ويرضاه.. وأن يدخل الناس في دين الله أفواجاً.. وأن يتعلم المسلمون أحكام دينهم.. وأن يعبدوا ربهم وحده لا شريك له..
وأن يدخلوا الجنة.. وينجو من النار.. والله عليم بذات الصدور.. ومتم نوره ولو كره الكافرون.
هذا وإني ذاكر وشاكر لكل مخلص وناصح من المؤمنين والمؤمنات، وراغب إليهم أن يستفيدوا من هذا الروض الذي تفتحت أزهاره، وطابت ثماره، وجمعنا فيه ما تفرق في غيره من أصول الدين، وأحكامه الميسرة.
نرجو أن يكون قد لاح النور من خلاله، وفاح المسك من أركانه، ونثرت الأزهار والثمار على أوراقه.
أرجو من هذا الصنف من المؤمنين حسن الاستفادة، وصدق النصيحة، والعفو عن الزلل، والتنبيه على النقص والخطأ، فكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
وأعوذ بالله من كل جاهل غشوم، ومن كل دجال لئيم، ومن كل حاسد وشامت، ومن كل شيطان في صورة إنسان بار.
فهذا الصنف من الناس ينخر في جسد الأمة، ليهدم كل بنيان، ويطفئ كل مصباح، ويبث كل عمياء وعوراء، ويوقد نار الفتنة التي تمزق شمل الأمة.
وحذار من قتل الأوقات بسكين النوم والشهوات.. وجمع البعر والسموم في خزانة العقل والقلب.. وإطلاق اللسان في القيل والقال.. وشغل الجوارح بالمعاصي والمحرمات.. وإنفاق الأموال في الصد عن سبيل الله.. وإطلاق السمع والبصر والفكر فيما يغضب الله.
فما أخسر هذه التجارة، وما أسوأ هذا الحصاد، وما أوكس تلك البضاعة التي أغرق الشيطان بها أكثر الخلق، وقادهم بها إلى جهنم: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [20]} [سبأ:20].
ولإزالة غبار الشرك، وكبح جماح الباطل، ودفع شرور الفتن، وقلع أشجار الفساد، وتحقيق الأمن والعدل، لابد من التوبة الصادقة النصوح، وتحقيق الإيمان والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والإحسان إلى البشرية بالقول والعمل، ورحمة الخلق كلهم، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، مع كمال الصبر واليقين اللذَيْن تحصل بهما الإمامة في الدين.
وما أحوجنا إلى النفوس الكريمة التي يفيض خيرها على جميع البشرية، وتسكب ماءها العذب على ذرية آدم، وتجمع الناس على الدين الحق، فينبت من خلال ذلك الإيمان والعمل الصالح والخُلُق الكريم. وأول الغيث قطرة ثم ينسكب، ووراء غلس الليل فجر ساطع، وإذا جاء الحق زهق الباطل.
فابسط يديك بكل خير، وأشغل جوارحك بطاعة الله عز وجل، وأطلق لسانك بذكره وحمده، والدعوة إليه، وتعليم شرعه، وهذا عمل الأنبياء والرسل، فنعم العمل، ونعم الحصاد، وإنما حصاد كل امرئ ما كان يزرع، ومن لم يمت في الجهاد النبيل مات كالبهائم في المرقد.
لقد أكمل الله بنيان هذا الدين في القرن الأول، فتحقق الأمن والعدل، وانتشر العلم، وعبد المسلمون ربهم بما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من الدين الحق.
ثم هبت على العالم الإسلامي رياح عاصفة، فتصدعت جدرانه، وتمزقت دوله، وتفرقت شعوبه، وكادت تسقط أركانه، واشتعلت في جوفه حروب مدمرة أكلت الأخضر واليابس.
لكن الله جل جلاله تكفل بحفظ هذا الدين وأتباعه على مر القرون، فيبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة دينها، ويردها إلى ربها.
وهذه الموسوعة أرجو الله عز وجل أن يجعلها سبباً يجمع شمل الأمة على الدين الحق.. ويصل ما انقطع من حبال مودتها.. ويربط ما انفصل من أجزائها.. ويداوي ما انفجر من جراحها.. ويسكن ما التهب من جسدها.
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به وعموم المسلمين، وأن يتقبله مني، وأن يغفر لي ولوالدي وأهل بيتي وجميع المؤمنين، وأن يضاعف لنا به الأجر والمثوبة، وأن يتجاوز عن كل خطأ وتقصير وأن يعفو عن كل سهو وزلل، إنه هو الغفور الرحيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه / محمد بن إبراهيم بن عبدالله التويجري.
المملكة العربية السعودية – بريدة.
جوال: 0508013222
0504953332